أيام دراسية : الأمازيغية و سؤال العدالة الثقافية بالمغرب – اليوم الأول
تقرير اليوم الدراسي الأول 15 ماي 2022

نظم مركز تافسوت للأبحاث و الدراسات و التكوين و جمعية تليلي أودرار يومين دراسيين حول” الأمازيغية و سؤال العدالة الثقافية بالمغرب” يومي 15 و 22 ماي 2022 بالمركب الثقافي سعيد أشتوك بيوكرى .في مستهل اليوم الدراسي الأول ، تناول الكلمة مسير اللقاء الأستاذ خالد أوبلا ليقدم السياق العام لتنظيم الأيام الدراسية مع التأكيد على راهنية الموضوع .
المداخلة الأولى :
أما المداخلة الأولى فقد كانت حول ” الحق في الاختلاف و ثقافة الاختلاف: مدخل إلى العدالة الثقافية ” التي قدمها الأستاذ رشيد أوبجا رئيس مركز تافسوت للأبحاث و الدراسات و التكوين . و قد تناول في البداية مشكل انقراض مجموعة من اللغات حسب إحصائيات اليونيسكو . ليؤكد على كون الحق في الاختلاف من ركائز الديمقراطية ، فلا يمكن التأسيس لمجتمع ديمقراطي تسود فيه حقوق الإنسان بدون الاقتناع بالدور المحوري للحقوق الثقافية للشعوب ، من تم تكريس التعددية الثقافية
كما قارب الأستاذ موضوع العدالة الثقافية في الفلسفة السياسية المعاصرة مستحضرا السجال الدائر بين المدرسة الليبرالية و الجماعاتية ، ثم التركيز على براديجمي : التبرير و الاعتراف .
لينتقل بعد ذلك لنقاش مسألة العدالة من منظور التعددية الثقافية من خلال أطروحات ” ويل كميليكا ” الذي حاول توسيع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي إضافة إلى مستواها الفردي . و الذي يرى أن التعددية الثقافية محدد أساسي لبناء نظام ديمقراطي ؛ نظام يتجاوز المنظور الفرداني في مقاربة المسألة الثقافية .
و إذ لا يمكن الحديث عن العدالة الثقافية دون التركيز على المسألة اللغوية ، فإن المتدخل استحضر منظور ” فيليب فان باريس ” حول العدالة اللغوية ، من خلال مجموعة من الدراسات و الأبحاث أبرزها كتاب ” العدالة اللغوية من أجل أوربا و العالم” .
و في محور آخر معنون ب ” التعددية الثقافية و الحق في الاختلاف ” ، قدم الأستاذ مجموعة من التعاريف حول الثقافة بالتركيز على الدرس الأنتربولوجي كمرجعية لا محيد عنها للترافع من أجل التعددية الثقافية . و رغم ارتباط الأنثروبولوجيا بالخلفيات الإيديولوجية و الأطماع الاستعمارية في بداياتها ، إلا أن هناك ” أنتربولوجيا مضادة ” كما نجد عند ( أشلاي مونتاقيو ) حول أسطورة التفوق العرقي ، و كذا عند ” هيرسكوفيتش ” و” رالف بيلز” و ” رالف لينتون ” حول النسبية الثقافية باعتبارها حقيقة واقعية ، و هي ” تدافع عن فكرة الاختلاف و الحق في الاختلاف و الاعتراف بالآخر ، المغاير ، الذي لا يستند إلى تشريطنا الثقافي ، إن على مستوى العقيدة أو على مستوى السلوك ، أو على مستوى الرموز ” .
و لتكريس التعددية الثقافية لابد من إرساء ثقافة الاختلاف و التي قدمها المتدخل على أنها : الثقافة المتراكمة نتيجة الوعي بالاختلاف و الصدور عن ذلك الوعي ، و دراسته و تحليله ، الأمر الذي يوجد تراكما معرفيا و خبرة إدراكية أو مجموعة من المعارف و الخبرات التي تتألف منها ثقافة نابعة من الاختلاف . إنها ” ما ينتجه الفرد الباحث أو الذات المتأملة حين تقوم بالبحث في الاختلاف الثقافي أو تتأمله و تتخذ موقفا تجاهه ”.
هكذا انتقل الأستاذ إلى موضوع الاعتراف بالتعددية الثقافية في العهود و المواثيق الدولية بالتركيز على الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ،ثم إعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي ، علاوة على إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية .
أخيرا خلص الأستاذ إلى أن مطلب الحق في الاختلاف و التعددية الثقافية ليس بالأمر اليسير ، فغالبا ما تعيقه توجهات فكرية محافظة ، أو تصورات تنهل من مرجعيات قومية ضيقة ترى الاختلاف باعثا على التفرقة ، و الدليل على ذلك ما عرفه ملف الأمازيغية في المغرب ، في بداياته و لا يزال ، من تهميش و تضييق 2019 مع استحضار الكثير المعيقات التي تواجه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية و أجرأة القانون التنظيمي .
المداخلة الثانية للدكتور محمد بليليض
” العدالة الثقافية في خطاب الحركة الامازيغية في المغرب”
افتتح اليوم الدراسي الأول بكلمة مسير اللقاء الأستاذ : خالد أوبلا، الذي قدم تأطيرا عاما لتنظيم الأيام الدراسية. ليقدم الأستاذ رشيد أوبجا رئيس مركز تافسوت للأبحاث و الدراسات و التكوين المداخلة الأولى، حول ” الحق في الاختلاف و ثقافة الاختلاف مدخل إلى العدالة الثقافية ” ليستلم الأستاذ محمد بليليض المداخلة الثانية والتي استهلها بتقديم المحاور المشكلة لمداخلته التي جاءت كالتالي :
المحور الأول : خصصه الاستاذ لتمثلات العدالة الثقافية في فكر مثقفي الحركة الأمازيغية ، حيث تطرق الى اسهام المفكر محمد شفيق الذي سلط الضوء على الشق السياسي في مسألة التعليم واعتبر أن مسألة التعريب في التعليم هو خيار إيديولوجي أدى الى إنتاج فئتين من الخريجين ، فئة تنحدر من عائلات الطبقة السياسية، وفئة تنتمي إلى عموم الشعب .وقد انتصر محمد شفيق للتعددية اللغوية والتنوع الثقافي ، مشيرا إلى ضرورة عدم تجاهل البعد الامازيغي للمغرب.
لينتقل بعد ذلك إلى تمثل المفكر أحمد بوكوس الذي تأسست كتاباته على مفهوم الهيمنة والاختلاف، حيث أكد على أن اطروحاته سعت إلى الربط بين العدالة الثقافية والعدالة الاجتماعية . وأضاف أن أحمد بوكوس قام بتحليل المجتمع انطلاقا من الوضع السيوسيولساني بالإشارة إلى أن مصالح الفئات المهيمنة ، تؤثر على اللغات المتواجدة عبر السياسة اللغوية.
حاول الأستاذ كذلك عرض وجهة نظر أحمد عصيد التي ترتكز على النقد الأيديولوجي لفكر الحركة الوطنية، ويقول بأن ارتباط هذه الحركة بمحاربة الظهير البربري الذي يعتبره أحمد عصيد مجرد أسطورة، جعله سببا لإقصاء الامازيغية، كما أن هذا الصراع جعل زعماء الحركة الوطنية يؤسسون فكرهم ومشروعهم بمعزل عن الجذور التاريخية للوطنية المغربية، بالإضافة الى نقده لفكر الحركة الإسلامية، حيث يرى أن وحدة الأمة تشترط وحدة المرجعية الدينية، واستنادا الى كون الأصل الأول لهذه المرجعية هو القرآن، فإنه لابد من الوحدة اللغوية بين المسلمين لضمان الوحدة العقائدية ثم السياسية. وتابع القول بأن معالجة مشكل الهوية في المغرب يقتضي إعادة التوازن المفقود للشخصية المغربية عبر ترسيخ فكر النسبية والتعدد والاختلاف.
وأشار الأستاذ في معرض تناوله لتمثل علي صدقي أزايكو إلى كونه من الأوائل الذين تطرقوا لمسالة الثقافة المغربية، حيث اعتبر هذا المفكر انتقد انقسام غالبية المغاربة الى قسمين: احدهما تابع للثقافة الشرقية، والاخر تابع للثقافة الغربية. الشيء الذي أدى الى ضياع الثقافة الوطنية المغربية، كما انه انتقد الدول التي تعتمد ثقافة رسمية واحدة وتقمع باقي الثقافات واعتبره سمة للدول الراسمالية.
كما أشار إلى أن الاختلاف والتنوع في ميدان الثقافة واللغة الذي تتخوف منه الدول، سيتحول إلى مصادر غنية متنوعة لثروة هذه البلدان الثقافية .حيث أنه بجانب اللغة العربية توجد اللغة الامازيغية التي تستعملها كثير من المواطنين، وعليه فإن الوحدة لا يمكنها أن تتم إلا في ظل التنوع .
في المحور الثاني استعرض الأستاذ بليليض ملامح العدالة الثقافية في وثائق الجمعيات الأمازيغية، واعتمد وثيقتين يرى بأنه لا يستقيم تناول خطاب الحركة الأمازيغية بمعزل عنهما :
الوثيقة الأولى، هي ميثاق أكادير : والتي تضمنت أربعة محاور، تمت عنونة المحور الأول ب” الهوية المغربية : الوحدة في التنوع”، وذهب محررو هذا الميثاق في هذا المحور إلى كون الثقافة المغربية متعددة الأبعاد، أما المحور الثاني فقد تمت عنونته ب” الثقافة الأمازيغية”، وتمت الإشارة من خلاله إلى أن هذه الثقافة تعكس شخصية حامليها، والتي يتم نقلها عبر اللغة. أما المحور الثالث، فيعنى ب “اللغة الأمازيغية” والتي تشكل حسب الميثاق لغة التعبير الأولى للمغاربة، وهي لغة الغالبية من المغاربة، كما أن اللغة هي التي تشكل الأرضية المشتركة لمطالب الحركة الأمازيغية. أما المحور الرابع فقد تطرق إلى المشاكل التي تعاني منها اللغة والثقافة الأمازيغيتين، حيث تحدث الميثاق عن التهميش الذي طال الأمازيغية، من الناحية التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اما بالنسبة للوثيقة الثانية فهي البيان الأمازيغي ، ففي سنة 1994 وجهت الحركة مذكرة تتضمن مطالبها، وذلك في ثلاثة مجالات: المجال الثقافي والتعليمي، ثم المجال الإعلامي، ثم مجال حقوق الإنسان، حيث تضمنت المذكرة مطلب ضمان الحقوق اللغوية والثقافية للإنسان المغربي.
ولاستكماله تفكيك مفهوم العدالة الثقافية عند الحركة الأمازيغية تطرق الأستاذ في المحور الثالث لمطلب الدولة المدنية كإطار لتحقيق العدالة الثقافية : قراءة في مذكرات الفاعل الأمازيغي بشأن المراجعة الدستورية لسنة 2011 :
أشار الأستاذ إلى أن الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي أكدت في مذكرتها المقدمة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، على كون :” الأمازيغية مكونا أساسيا في الثقافة الوطنية، وأنها مسؤولية وطنية، وملك لكل المغاربة بدون استثناء” وبالنسبة لموقع اللغة في الدولة، طالبت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وجمعية الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة وكونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالشمال، وكونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالجنوب، بدسترة اللغة الأمازيغية لغة رسمية، إذ أن تضمين اللغة الأمازيغية لغة رسمية في المغرب، كفيل بتطويرها وإخراجها من التهميش الذي تعيشه.
من خلال تحليل المذكرات التي رفعتها التيارات الأمازيغية إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، ميز الأستاذ بين نوعين من التوجهات داخل هذه التيارات : توجه لم يقدم اقتراحات خارج الشأن الهوياتي، ثم توجه حاول أن يقدم اقتراحات إضافية، تهم الآليات الديمقراطية في الدولة المغربية.
ليختتم الأستاذ مداخلته بالنهج الذي بلورت به الحركة الأمازيغية تصورها حول العدالة الثقافية وكانت البداية من المطالبة بالاعتراف بالبعد الأمازيغي للشخصية المغربية، حيث ثم نسج خطاب أكثر عمقا، يربط بين العدالة الثقافية والعدالة الاجتماعية، من جهة أخرى ارتبط مفهوم العدالة الثقافية عند الحركة الأمازيغية، بمفهوم المواطنة، فرفع شعار ” الوحدة في التنوع” هو تجسيد لمفهوم المواطنة الذي يعني اعتراف الدولة بجميع مواطنيها، مهما تعددت لغاتهم، وتنوعت ثقافاتهم، وهو ما يحقق مفهوم دولة المواطنة.
المداخلة 3: شمال إفريقيا ومسألة الهوية والتعدد اللغوي
د. الحسن حساين : دكتور في القانون العام والعلوم السياسية
استهل الدكتور الحسن حساين مداخلته بتقديمه للجذور الفكرية والسياسية للتعددية حيث أرجعها إلى كتابات وأفكار فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، كما أشار إلى أن هذه التعددية تتخذ أشكالا عدة، فقد تكون تعددية سياسية مبنية على الاختلاف السياسي، وقد تحمل طابعا ثقافيا أو اثنيا أو لغويا أو دينيا..
لينتقل بعدها الى الفقرة الأولى والتي عنونها ب :شمال إفريقيا والمسألة اللغوية، حيث يرى بأن النقاش اللغوي أصبح جزء لا يتجزأ من المطالب السياسية والاجتماعية في بلدان شمال إفريقيا، بفعل كون اللغة مجالا للصراع وباعتبار هذه الأخيرة انتماء اجتماعي، كذلك فعلاقة الهوية باللغة ترتكز على عدة مسلمات أو بديهيات أساسية من ضمنها أنها عنوان الهوية للفرد والمجتمع. بالإضافة إلى أنه أورد جملة من الوظائف للغة أبرزها تمثيل الكون لأنفسنا في عقولنا، وتعلم تصنيف الأشياء باستخدام الكلمات المتوافرة. ليقدم بعد ذلك رؤية الباحث المغربي “سعيد بنيس” القائلة بأن المغرب يعيش “تيها تدبيريا” . في هذا الإطار فيما يرتبط بالتنوع اللغوي، ودائما في مسألة اللغة الأمازيغية فيما يخص علاقتها بهاجس الانقراض قال بأن تعريض اللغات لخطر الزوال والانقراض يشكل ظاهرة تاريخية وعالمية تفرزها تغيرات لا تستثني الأمازيغية . ولكون تعدد اللسان الأمازيغي وتجدره في تاريخ حضارة شمال إفريقيا بقيت محتفظة بوزنها وثقلها داخل الكيان الاجتماعي المغربي، على الرغم من الامتزاج الذي حصل بين العرب والمجتمع الامازيغي عبر العصور إضافة إلى ما تطرحه الكتابة العربية كشكل للكتابة الرسمية ولغة السلطة والدين. دون مراعاة للتاريخ الثقافي والحضاري لشمال إفريقيا، الأمر الذي سيجعل الحركة الامازيغية تطرح مطلب إعادة كتابة التاريخ القديم والمعاصر لشمال إفريقيا مطلبا أساسيا ضمن خطاباتها، ولعل هذا المطلب إذن-إعادة كتابة التاريخ- أضحى اليوم من أبرز وأهم المطالب التي ترفعها مختلف مكونات الحركة الأمازيغية بالمغرب.
اما في الفقرة الثانية المعنونة ب: ” الهوية الوطنية وإشكالية التنظيم الدستوري والترابي في المجتمعات التعددية”، فقد قدم الأستاذ مثالا للدستورين الأمريكي والفرنسي باعتبارهما استطاعا تدبير الانقسام في مجتمعاتها المتعددة، وعليه فبالإمكان أن تحوي الدولة الواحدة عددا غير يسير من الجماعات اللغوية والدينية والقومية والعرقية والقبلية، والجماعات الوافدة وغيرها دون أن يربط بين هذه الجماعات كلها الشعور أو الإحساس بالانتماء إلى جماعة وطنية واحدة كحقيقة واقعة وشمالة تتجاوز الولاءات والانتماءات الضيقة لهذه الجماعات المتباينة. ومن العناصر الأساسية لجعل هذه الجماعات تحس بالمواطنة، إقرار دستور وطني يعترف بمكانتها ويبين حقوقها وواجباتها ضمن إطار هذه الدولة. وفي هذا الصدد ظلت الحركة الثقافية الأمازيغية ولردح من الزمن تطالب بالترسيم الدستوري، (الأمر الذي تحقق مع دستور فاتح يوليوز 2011م)،
لكن وإن كان المغرب قد استجاب لمطلب الحركة الامازيغية في مسألة ترسيم اللغة والثقافة الأمازيغية، فإن ذلك لا يعني السماح لها (أي الحركة الامازيغية) للوصول إلى السلطة.فالمضمون السياسي للقضية الأمازيغية، من منظور الحركة الأمازيغية، يتمثل في ارتباطها ب “قرار سياسي” سواء تعلق الأمر بتهميشها وإقصائها، أو بتنميتها ورد الاعتبار لها.
وقد سعى الأستاذ إلى عرض تدبير ترابي يستحضر الإرث التاريخي والمجالي لشمال إفريقيا عبر مظاهر نظام الحكم المحلي (النظام الفيدرالي) من خلال البنيات السياسية والإدارية والاجتماعية ذات الطابع الجمهوري التي عرفتها هذه البلدان ، كنظام القرية القبائلية بالجزائر، ونظام الجمهوريات القروية بالمغرب إلى جانب مؤسسة الجماعت، وأيت ربعين، هذه المؤسسات التي لم يستطع المخزن المركزي كسرها أو تفكيكها، وإحلال مؤسساته المحلية المتمثلة في هيكل إداري هرمي: باشا، قواد، خلفاء، شيوخ محلها حتى يضمن استمراريتها وفعاليتها من جهة، وكذا الخضوع الدائم للقبيلة من جهة أخرى.
ليعرض بعدها نظرة تاريخية حول بلاد السيبة والمخزن في شمال إفريقيا مستحضر استعارة الباحث التونسي محمد نجيب بوطالب، الثنائية المفاهمية المغربية “مخزن-سيبة”، في إطار حديثه عن قبيلة “ورغمة التونسية” باعتبارها تحيل على مفهومين متناقضين يعبران عن واقع التعارض بين حالتي التسيب والانضباط في الدولة السلطانية، أي بين الخضوع من جهة، والعصيان عدم الانضباط من جهة أخرى.
كل هذا، من أجل إبراز طبيعة العلاقة بين الدولة والأطراف القبائل في تونس. إذ بقيت العلاقات على الدوام محكومة بالعودة إلى المركز والاحتكام إليه كلما اقتضت الضرورة ذلك. فالعصيان وعدم الولاء من طرف القبائل المحيطة كان يرتبط بموضوع الضريبة التي شكلت عبئا أثقل كاهل هذه المجموعات القروية، من دون مقابل يذكر. هكذا تطرق الأستاذ إلى :
التنظيم المحلي بالمغرب لفترة ما قبل الحماية، وأشار إلى ان التنظيم المحلي لهذه المرحلة بالمغرب، ارتبط بالتنظيم المخزني المتمثل في خليفة السلطان، بناء على وجود خلفاء السلطان على رأس المخزن الجهوي، والذين غالبا ما ينتمون إلى عائلته أي (السلطان)، إخوته أو أبنائه، وفي بعض الأحيان أعمامه. كل ذلك في إطار عمليه تحضير وتأهيل العاهل الذي سيخلف السلطان. وكلما بعدت الأقاليم عن عاصمة الملك، سميت أقطارا، كالقطر السوسي، أو سوس الأقصى. وقد كان الهدف من وراء ذلك إخضاع تلك القبائل لسلطة المخزن، وبالتالي الحد من حريتها واستقلاليتها عبر أنظمة متعددة : خلفاء السلطان او الجهات والأقاليم.
استشرافا لمستقبل المغرب بين ثنائيتي التنوع الثقافي وإشكالية التوزيع الترابي استعان الأستاذ منظور الباحث “سعيد بنيس” لمعالجة إشكالية الجهوية بالمغرب، فحسب الباحث، الإعتمادا على اللغات المعتمدة رسميا، ألا وهما العربية والأمازيغية في علاقتها بالتنويعات اللغوية الجهوية في إطار دستور 2011م. سيمكن من استشراف مستقبل السياسة اللغوية، على أساس بناء نظام يحتوي اللغات الرسمية، بحكم كون المغرب يعرف ازدواجية لغوية رسمية وتعددية لغوية على مستوى الجهات.
وفي الختام خلص الأستاذ إلى أن النظام القبلي لشمال إفريقيا قد تعرض إلى عملية اختلال عميقة بسبب عمليات الاحتواء والسيطرة والتفكيك، التي مارسها الاستعمار الأوروبي -لا سيما الفرنسي- على معظم بلدان شمال إفريقيا. وذلك سعيا منه لإخضاع هذا التنظيم القبلي لسلطته المباشرة. وذلك بالرغم من سعي السلطة المركزية نحو المحافظة على هذا التنظيم القبلي بواسطة قانون الحماية بغية استغلاله لصالحها، كأن يصبح لهذه التنظيمات التقليدية تمثيلات لدى السلطة المركزية أو تصبح السلطة ممثلة لدى مختلف القبائل.